لماذا هذه الدراسة مهمة؟

يعتبر شرب القهوة والشاي من العادات اليومية الراسخة في معظم الثقافات حول العالم، حيث يشكلان مصدرًا رئيسيًا للطاقة اليومية والمزاج الجيد لكثير من الناس. وبينما يعرف الجميع الفوائد المباشرة لهذه المشروبات، مثل زيادة اليقظة وتحسين التركيز، فإن هناك جوانب أقل شهرة تتعلق بتأثيرها على صحة القلب والتمثيل الغذائي، خاصة في ظل انتشار أمراض مثل السكري من النوع الثاني والسمنة. في الآونة الأخيرة، كشفت دراسة حديثة، نُشرت في شهر سبتمبر 2024 في مجلة Journal of Clinical Endocrinology & Metabolism، عن العلاقة بين استهلاك القهوة والشاي والكافيين وخطر الإصابة بالأمراض القلبية والتمثيل الغذائي المتعددة (Cardiometabolic Multimorbidity – CM).

الفوائد المثبتة لاستهلاك القهوة بانتظام لصحة القلب

أظهرت الدراسة أن تناول القهوة بانتظام، وخاصة بمعدل ثلاث أكواب يوميًا، يرتبط بانخفاض كبير في مخاطر الإصابة بالأمراض القلبية والتمثيل الغذائي المتعددة. وتستند هذه النتائج إلى تحليل بيانات حوالي 188,000 شخص من المملكة المتحدة ممن لم يكن لديهم تاريخ مرضي للإصابة بأمراض القلب أو السكري عند بداية الدراسة. وخلال فترة متابعة استمرت حوالي 11 سنة، لوحظ أن الأفراد الذين يتناولون القهوة بمعدل معتدل انخفض لديهم خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنحو 48% مقارنةً بأولئك الذين لا يتناولون القهوة.

هذا التأثير الإيجابي يعود إلى مجموعة من المركبات الموجودة في القهوة، مثل حمض الكلوروجينيك (Chlorogenic Acid)، وهو مضاد للأكسدة يساعد في تقليل الالتهابات وتحسين حساسية الأنسولين (Insulin Sensitivity). كما تحتوي القهوة على الكافيين الذي يعزز من عمليات الأيض ويقلل من مخاطر الإصابة بالسكري عبر تحسين عملية نقل الجلوكوز داخل الخلايا.

دور الشاي في تقليل أخطار السكري والسمنة

يعتبر الشاي مشروبًا لا يقل أهمية عن القهوة، خاصة في الثقافات الآسيوية. أشارت الدراسة إلى أن تناول خمس أكواب من الشاي يوميًا أو أكثر يرتبط بانخفاض كبير في خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني، حيث أظهر هذا المستوى من الاستهلاك تأثيرًا إيجابيًا واضحًا في تقليل مخاطر تطور المرض. إلا أن التأثير الوقائي للشاي على أمراض القلب التاجية والسكتة الدماغية كان أقل وضوحًا مقارنةً بالقهوة، وهو ما يفتح المجال لدراسات مستقبلية لفهم الاختلافات في التأثيرات بين الشاي الأخضر والشاي الأسود.

الشاي الأخضر (Green Tea) يحتوي على مركبات البوليفينولات (Polyphenols)، وهي مضادات أكسدة قوية تساعد في تقليل الجهد التأكسدي (Oxidative Stress) في الجسم وتحسين صحة الأوعية الدموية. على الجانب الآخر، يحتوي الشاي الأسود (Black Tea) على مركبات مشابهة ولكن بتركيزات مختلفة نتيجة عملية الأكسدة التي يمر بها خلال التحضير، مما يؤثر على تكوين المركبات النشطة فيه.

تصميم مجموعات البحث من حيث استهلاك الشاي والقهوة والكافيين

الكافيين كمركب نشط ودوره في تعزيز الصحة

الكافيين ليس مجرد عنصر منبه، بل إنه يلعب دورًا كبيرًا في تحسين العديد من الوظائف الأيضية في الجسم. وقد أظهرت الدراسة أن تناول الكافيين بمعدل يتراوح بين 200-300 ملغ يوميًا يقلل من خطر الإصابة بالأمراض القلبية والتمثيل الغذائي بنسبة تصل إلى 40.7%. ويعادل هذا المستوى من الاستهلاك ما يقرب من ثلاثة أكواب من القهوة يوميًا، مما يضعه في نطاق “الاعتدال” الذي توصي به العديد من الإرشادات الصحية.
تشمل الفوائد الصحية للكافيين تحسين الدورة الدموية وتقليل مقاومة الأنسولين، مما يعزز من استجابة الخلايا لهرمون الأنسولين. بالإضافة إلى ذلك، فقد وُجد أن الكافيين يعمل على تحسين وظيفة الشرايين التاجية (Coronary Arteries)، مما يقلل من خطر حدوث التصلب الشرياني (Atherosclerosis) الذي يمكن أن يؤدي إلى أمراض القلب.

العلاقة بين القهوة والشاي والالتهابات المزمنة

إحدى النتائج المهمة التي كشفت عنها الدراسة هي ارتباط استهلاك القهوة والشاي بانخفاض مستويات بعض العلامات الحيوية المرتبطة بالالتهابات المزمنة، مثل GlycA. تعتبر هذه العلامة مؤشرًا على الالتهابات منخفضة الدرجة (Low-Grade Inflammation)، والتي ترتبط بشكل وثيق بتطور الأمراض القلبية والتمثيل الغذائي. أشارت الدراسة إلى أن الأفراد الذين يتناولون القهوة بانتظام أظهروا مستويات أقل من هذه العلامة، مما قد يفسر جزئيًا الآليات التي تجعل القهوة تساهم في تقليل خطر الأمراض القلبية.
كذلك، ارتبط تناول القهوة بانخفاض مستويات البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة جدًا (Very Low-Density Lipoproteins – VLDL)، التي تعتبر من العوامل المساهمة في تراكم الدهون في الأوعية الدموية. من المعروف أن تراكم الدهون وزيادة مستويات الدهون الثلاثية (Triglycerides) تساهم في تطور السكري وأمراض القلب، ولذلك فإن التقليل من هذه الدهون عبر تناول القهوة قد يلعب دورًا وقائيًا فعالًا.

أهمية الاعتدال في استهلاك القهوة والشاي

بينما تسلط الدراسة الضوء على الفوائد المحتملة لتناول القهوة والشاي، فإنها تؤكد أيضًا على أهمية الاعتدال في الاستهلاك. فبالرغم من أن تناول هذه المشروبات بمستويات معتدلة له فوائد صحية، إلا أن الإفراط في تناول الكافيين قد يتسبب في آثار جانبية مثل القلق (Anxiety) واضطرابات النوم. ولهذا، يوصى بالحفاظ على استهلاك القهوة والشاي ضمن الحدود الموصى بها، والتي تتراوح بين كوبين إلى أربعة أكواب يوميًا.

شاهد الفيديو: إذا كنت مهتمًا بمعرفة المزيد عن هذه الدراسة العلمية ومناقشة النتائج بالتفصيل، يمكنك مشاهدة الفيديو الذي قمت بتسجيله على قناتي على اليوتيوب. سيساعدك الفيديو في فهم أفضل لكيفية تأثير القهوة والشاي على صحة القلب والتمثيل الغذائي.

شاهد الفيديو

آفاق البحث المستقبلي في تأثيرات القهوة والشاي

الدراسة الحالية قدمت فهمًا عميقًا للعلاقة بين القهوة والشاي وصحة القلب، لكنها أيضًا تفتح الباب أمام أسئلة جديدة تتطلب المزيد من البحث. على سبيل المثال، ما هو التأثير المقارن بين الشاي الأخضر والشاي الأسود على الصحة القلبية؟ وهل يمكن لمركبات معينة في هذه المشروبات، مثل البوليفينولات في الشاي أو حمض الكلوروجينيك في القهوة، أن تكون مفتاحًا لفهم أفضل للوقاية من الأمراض القلبية والتمثيل الغذائي؟
بالإضافة إلى ذلك، تشير النتائج إلى أهمية دراسة تأثير الكافيين المستخلص من مصادر أخرى مثل المشروبات الغازية (Sodas) ومشروبات الطاقة (Energy Drinks)، حيث قد تختلف تأثيراتها الصحية نظرًا لاختلاف المكونات الأخرى المضافة إليها.

الآلية التي تقوم بها القهوة بالتأثير المرغوب في الحماية من الاصابة بالسكري من النوع الثاني

الخلاصة: فوائد يومية مع الاعتدال

في نهاية المطاف، تشير هذه الدراسة إلى أن تناول القهوة والشاي بانتظام، وبمستويات معتدلة، قد يكون له فوائد صحية كبيرة تتجاوز مجرد تحسين الحالة المزاجية. من خلال تقليل مخاطر الأمراض القلبية والتمثيل الغذائي وتعزيز الصحة العامة، يمكن لهذه المشروبات أن تكون جزءًا من نمط حياة صحي. ومع ذلك، يبقى الاعتدال هو المفتاح لضمان الاستفادة الكاملة من هذه الفوائد دون التعرض للآثار السلبية المحتملة.
هذا يعني أن الاستمتاع بفنجان القهوة الصباحي أو كوب الشاي في المساء ليس مجرد رفاهية، بل هو عادة صحية يمكن أن تساهم في الحفاظ على صحة القلب والجسم على المدى الطويل، مما يجعلها خيارًا ذكيًا ضمن الروتين اليومي.

الخلاصة والمراجع

اطلع على خلاصة المقال والمراجع العلمية (أبحاث ومواقع علمية) والتي استخدمها الكاتب لإعداد هذا المقال.

خلاصة المقال

دراسةٌ حديثةٌ على أكثر من 170 ألف شخص في UK Biobank وجدت أن الاستهلاك المُعتدل للقهوة (حوالي ٣ أكواب يوميًا) والكافيين (٢٠٠-٣٠٠ ملليجرام) يُقلّل من خطر الإصابة بأمراض القلب والأيض المُتعددة، بما في ذلك السكري من النوع الثاني. أما الشاي، فله تأثير وقائي أقل. وارتبطت هذه المشروبات بتغيرات في مُستويات بعض المُستقلبات في الدم، مما يُشير إلى آليات وقائية مُحتملة. لم تُحدد الدراسة تأثير إضافة السكر. النتائجُ تُشجع على الاستهلاك المُعتدل للقهوة ولكنها لا تُغني عن استشارة الطبيب.

المراجع العلمية للمقال